1. الْأَخْلَاقُ الْكُلِّيَّةُ لِلْحَضَارَةِ

– مَدْخَلُ الْقِصَصِ وَالْمَدْخَلُ الْمَفَاهِيمِيُّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

 2. الشُّهُودُ الْحَضَارِيُّ وَاسْتِئْنَافُ الدَّوْرِ الِاسْتِخْلَافِيِّ لِلْأُنْثَى

– الْقِيَمُ الْعُلْيَا الْحَاكِمَةُ لِلْحَضَارَةِ بِمَا هِيَ حَضَارَةٌ

– أَهَمِّيَّةُ الْقِيمَةِ الْوُسْطَى: اَلْعلمُ

– النَّمَاذِجُ الْقَصَصِيَّةُ وَالسُّنَنُ

 3. الْمُحَدَّدَاتُ الْعَامَّةُ الْمُلَائِمَةُ لِنَمُوذَجِ الْأُنْثَى الشَّاهِدَةِ وَالتَّدَافُعِ الْحَضَارِيِّ

– التَّدَافُعُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْأَخْلَاقِ الْقُرْآنِيَّةِ

بِسْمِ اللَّهِ اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ على أشرف اْلأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ

عنوان الندوة: “أثرُ الشّبابِ في مواجهة تحديات الأمة”، وأكبر تحدي يواجه الشبابُ اليوم هو مسألة الاستئناف الحضاري، وفي عمق هذه المسألة المتعلق بالْقُطبُ الثاني للإنسانية؛ نسألُ ما هو دورُ الأنثى في الاستئناف الحضاري.

فِي وَرَقَتِي هَذِهِ اِشْتَغَلَتُ عَلَى التَّنْظِيرِ لِمَنْهَجِيَّةِ النَّظَرِ مِنْ زَاوِيَةِ الِاسْتِئْنَافِ الْحَضَارِيِّ.

هَذِهِ الْمَنْهَجِيَّةُ فِي قَلْبِ الْمَشْرُوعِ الْحَضَارِيِّ الَّذِي لَا يَفْصِلُ الدِّينَ عَنْ الْحَيَاةِ، إِنَّمَا الْمَطْلُوبُ أَنْ نَجْتَهِدَ لِنُقَدِّمَ لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ تَصَوُّرًا يَجْمَعُ بَيْنَ “الْمُشْتَرَكِ الْإِنْسَانِيِّ وَالتَّمَيُّزِ الْإِسْلَامِيِّ” بِعِبَارَةِ د. سَيْفِ الدِّينِ عَبْدالْفَتَّاحِ.

إِنَّ فَاعِلِيَّتَنَا إِنْ أَرَدْنَا لَهَا أَثَرًا وَدَفْعًا لِلْفَاسِدِ وَالْمُفْسِدِ سواءً فِي مِسَاحَاتِ الْعَمَلِ الْإِسْلَامِيِّ أَوْ غَيْرِ الْإِسْلَامِيِّ، نَقْتَرِحُ لَهَا شَرْطَيْنِ:

اَلْأَوَّلَ: عَبرَ الِاسْتِفَادَةِ مِنْ الدَّقَائِقِ الْفِكْرِيَّةِ لِكُلِّ الْحَضَارَاتِ -بِتَعْبِيرِ اِبْنِ عَاشُورٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ بَعْدَ تَصْفِيَّتِهَا وَإِرْجَاعِهَا إِلَى الْفِطْرِيِّ وَالْمُشْتَرَكِ الْإِنْسَانِيِّ.

اَلثَّانِيَ: عَبْرَ التَّدَافُعِ التَّعَارُفِيِّ مَعَ الْآخَرِينَ الْمُجَانِسِيْنَ وَالْمُخَالِفِينَ بِكَافَّةِ مَشَارِبِهِمْ، وَاِتِّخَاذِ كَافَّةِ آلِيَّاتِ هَذَا التَّدَافُعِ وَسُنَنِهِ. وَشَرْطُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي حَاجَتَنَا أَوَّلاً إِلَى نَمُوذَجٍ تَفْسِيرِيٍّ بَدِيلٍ لِلنَّمُوذَجِ التَّفْسِيرِيِّ السَّائِدِ فِي الْأَكَادِيمِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَبِالتَّبَعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ.

هَذَا النَّمُوذَجُ يَسْمَحُ لَنَا بِالْعَوْدَةِ إِلَى التَّأْسِيسِ الْخُلُقِيِّ/الرُّوحِيِّ لِلْمَعْرِفَةِ وَالْوُجُودِ بَدَلاً مِنْ الطَّبِيعِيِّ/الْمَادِّيِّ فَقَط. وأَعْيُنُنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُوَجَّهَةً إِلَى التَّدَافُعِ مَعَ الْأَخْلَاقِ الْمُؤَسَّسَةِ فَلْسَفِيًّا وَالْمُتَبَنَّاةِ مِنْ الْغَرْبِ عَلَى اِعْتِبَارِهَا أَخلَاقًا كُلِّيَّةً يَشْتَرِكُ فِيهَا كُلُّ الْبَشَرِ -حَسبَ زَعْمِهِمْ-. ثُمَّ التَّدَافُعِ مَعَ الْأَخلَاقِ الْجَبْرِيَّةِ وَالْمُتَبَنَّاةِ مِنْ الأَنظِمَةِ السياسيةِ الْمَسؤُولَةِ عَنْ تَرَدِّي الْوَاقِعِ الْعَقدِيِّ وَالْفِكرِيِّ وَمَا آلَ إِلَيهِ حَالُ الْأُمَّةِ مِنْ نُكُوصٍ إِلَى الْخُرَافَاتِ وَالِاسْتِسلَامِ التَّامِّ بَدَلَ الْقِيَامِ بِدَوْرِهَا فِي التَّارِيخِ… والْقِيَامِ بِأَمَانَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تُعْلِي مِنْ أَخْلَاقِ الرِّعَايَةِ وَالْحِمَايَةِ، وَالَّتِي تُقَدِّرُ الْمَسؤُولِيَّةَ تجَاهَ الْآخَرِ الْمُجَانِسِ وَالْمُخَالِفِ صَوْبَ إِقَامَةِ الْعَدْلِ، وَالْمُتَمَثِّلَةَ فِي مَاْ يَلِي:

1. أَخْلَاقُ الْحَضَارَةِ بِمَا هِيَ حَضَارَةٌ أَوْ الْأَخْلَاقُ الْكُلِّيَّةُ لِلْحَضَارَةِ

وهي فِي الْقُرآنِ الْكَرِيم مَنْظُومَةُ الْمَجَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ (اِجتِمَاعِيَّةٍ، اِقتصَادِيَّةٍ، ثَقَافِيَّةٍ، سِيَاسِيَّةٍ) الَّتِي تَنْتَظِمُ بِهَا الْجَمَاعَةُ الْإِنسَانِيَّةُ بِمُسْتَوَيَيْهَا: الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ تَارِيخِيًّا، والْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ فِطْرِيًّا؛ أَيْ الْإِنْسَانِيِّ الْعَامِّ. وَالَّتِي يُمْكِنُ أَنْ نُحَدِّدَهَا مِنْ خِلَالِ مَدْخَلَيْنِ فِي الْقُرآنِ الْكَرِيمِ، هما: مَدْخَلُ الْأَمْثَالِ، وَمَدْخَلُ الْمَفَاهِيمِ.

الْأَوَّلُ: مِنْ خِلَالِ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالْقِصَصِ لِلْحَضَارَاتِ وَالْأُمَمِ السَّابِقَةِ، فَيُطلِعُنا الْقُرآنُ على التَّجْرِبَةِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الرَّسُولِ الْخَاتَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا يَقْتَضِي مِنَّا اَلتَّفْسِيرَ وَبَيَانَ اَلْمَعَانِي لِتَعْلِيلِ أَهْلِيَّةِ الْإِنْسَانِ واِسْتِعْمَارِهِ الْأَرْضَ، وَإِقَامَةِ الدِّينِ إِلَى يَوْمِ الْحَقِّ، وَفَهْمِ تَعَامُلِ تِلْكَ النَّمَاذِجِ الْقَصَصِيَّةِ مَعَ السُّنَنِ الِاجْتمَاعِيَّةِ.

وَفِي الْمَدْخَلِ الْمَفَاهِيمِيِّ، نَجِدُ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ الِاسْتِخْلَافِيَّةَ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ فِي الْقِصَّةِ الْقُرآنِيَّةِ تَتَأَسَّسُ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْمِيَةِ {عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (أَي الْقُدْرَةِ اَلْكَلَامَ وَالْفَهْمَ وَالتَّفْسِيرَ وَالتَّحْلِيلَ وَالتَّنْظِيرَ وَالتَّقْوِيمَ الدَّائِمَ).

عَلَى هَذِهِ الْأَرضِيَّةِ الْفَلسفِيَّةِ، نُرِيدُ رَسْمَ صُورَةِ الْأُنثَى الشاهدة الْحَاضِرَةِ فِي الْعَالَمِ حُضُورًا يَنقُلُهَا مِنْ الْوُجُودِ بِالْقُوَّةِ إِلَى الْوجُودِ بِالْفِعْلِ وَالْأَثَرِ.

 2. الشُّهُودُ الْحَضَارِيُّ وَاسْتِئْنَافُ الدَّوْرِ الِاسْتِخْلَافِيِّ لِلْأُنْثَى

اَلْجذْرُ (شَهِدَ) مُرتَبِطٌ بِالْحُضُورِ وَالْمُعَايَنَةِ وَالْعِلْمِ. وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ الْحَضَارِيَّةِ: التَّركِيزُ عَلَى السُّؤَالِ الْأَجْدَرِ، فَلِأَنَّ الْأُنثَى رَاعِيَةٌ لقَوْمِهَا أَوْ جَمَاعَتِهَا، نسأل: إِلَى أَيِّ عُمقٍ تَعكِسُ الْأُنثَى بِصُورَتِهَا وَدَورِهَا وَسُلُوكِهَا مَعَ الْآخَرِينَ، وَفِي مُجتَمَعِهَا بِجَمِيعِ مُؤَسَّسَاتِهِ الْمَعنَى وَالْقِيَمَ الْعُلْيَا الْحَاكِمَةَ لِلْحَضَارَاتِ، وَالَّذِي تَتَحَدَّدُ مِنْ خِلَالِهَا اِخْتِيَارَاتٌ وُجُودِيَّةٌ قِيَمِيَّةٌ ضِمْنَ عِدَّةِ خِيَارَاتٍ مَطْرُوحَةٍ؟

 – مَاذَا أَقْصِدُ بِالْقِيَمِ الْعُلْيَا الْحَاكِمَةِ لِلْحَضَارَةِ بِمَا هِيَ حَضَارَةٌ؟

لِكُلِّ حَضَارَةٍ مِنْ اَلْحَضَارَاتِ تَرَاتُبِيَّةٌ قِيَمِيَّةٌ لَا تَخرُجُ عَنْهَا، تَجعَلُنَا قَادِرِينَ عَلَى قِيَاسِ تِلْكَ الْحَضَارَاتِ إِلَى أَيِّ مَدًى تَقتَرِبُ مِنْ الْإِخلَادِ إِلَى الْأَرضِ، أَوْ أَنَّهَا بِرِفعَتِهَا تُحْيِي الْأَرضَ وَالنَّفْسَ.

اَلْفَيْلَسُوفُ الْيُونَانِيُّ أَفْلَاطُونُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، اِشتَرَطَ فِي جُمْهُورِيَّتِهِ إِلْغَاءَ عِدَّةِ عَنَاصِرَ مِنْ بَينِهَا: الْمِلْكِيَّةُ، وَاسْتِقلَالِيَّةُ الْمَرْأَةِ وَحُرِّيَّتُهَا، وَطَبَقَةُ الْحُرَّاسِ تَتَسَاوَى فِيهَا النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ، النِّسَاءُ قَادِرَاتٌ عَلَى كُلِّ الْوَظَائِفِ كَالرِّجَالِ.

وَنَعلَمُ أَنَّ الْمُجتَمَعَ الْغَربِيَّ طَبَّقَ التَّقْسِيمَ الْمِيتَافِيزِيقِيَّ لِلْأُنُوثَةِ وَالذُّكُورَةِ كَمَا عِندَ أَرسْطُو تِلْمِيذِ السَّابِقِ. وَرُبَّمَا تَأَثَّرنَا نَحنُ أَيضًا بِبَعضِ أَفكَارِهِ حِينَمَا نَظَرَ إِلَى الْوُجُودِ وفقَ مُستَوَيَيْنِ: وُجُودٌ بِالْقُوَّةِ / الْمَادَّةُ، وَوُجُودٌ بِالْفِعْلِ / الصُّورَةُ. وَبِمَا أَنَّ الْمَادَّةَ تُنَاظِرُ اَلْأُنْثَى، وَالصُّورَةُ تُنَاظِرُ الذَّكْرَ، فَإِنَّ الْأُنثَى هِيَ الْوُجودُ بِالْقُوَّةِ، وَالذَّكَرُ هُوَ الْوُجودُ بِالْفِعْلِ.

هَذَا النَّمُوذَجُ الْمَعْرِفِيُّ خَلْقَ عَبْرَ الزَّمَنِ مُسَلَّمَةً تَقُولُ بِدُونِيَّةِ الْأُنثَى، وَأَنَّ الذَّكرَ هُوَ الْأَصلُ وَأَنَّ عَلَى اَلْأُنْثَى بُلُوغَ هَذَا الْأَصلِ. مَا جَعَلَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةً نِدِّيَّةً وهَذَا الْخَلَلُ نُشَاهِدُ نَتَائِجَهُ فِي مُزَاحَمَةِ الْأُنثَى لِلرَّجُلِ فِي الْمَجَالِ الْعَامِّ، أَوْ فِي تَكرَارِ الْأَدوَارِ الْوَظِيفِيَّةِ بَيْنَهُمَا، أَوْ الرِّضَا بِتَبَادُلِ الْأَدوَارِ فِي الْحَيَاةِ بِشَكلٍ عَامٍّ؛ مَا أَدَّى إِلَى تَفكِيكِ الْأُسَرِ. وَشَهِدنَا حَرَكَاتٍ وَأَفْكَاراً مُنْحَرِفَةً عَنْ الْفِطَرِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَمُشَوِّهَةً لِقِيمةِ الْجَمَالِ الَّتِي خَلَعَتْ عَنْ الْحُرِّيَّةِ مَعنَاهَا الْخُلُقِيَّ، وَأَلْصَقَتْهَا بِالْأَرضِ، وَغَيَّبَتْ قِيمَةَ الْغَيْبِ عَنْ الْوُجُودِ وَالْهُوِيَّةِ.

        وَمِنْ الْبَدَهِيِّ، وَأَقُولُ فَقَطْ مِنْ بَابِ التَّذكِيرِ أَنَّنَا نَعلَمُ أَنَّ الْمَنْهَجَ الرَّبَّانِيَّ أَقَرَّ لَهَا -كَمَا الرَّجُلِ- بِقِيَمِ الِاستِقْلَالِ وَالْحُرِّيَّةِ. فَهِيَ لَيسَتْ مِلْكِيَّةً، بَلْ مُكَلَّفَةً ومُشَارِكَةً فِي اِسْتِعْمَارِ الْأَرضِ (التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ)، وَفِي إِعْمَالِ الْحَوَاسِّ الَّتِي تُسْتَدْعَى لِمُشَارَكَتِهَا فِي الْمَعرِفَةِ وَاجتِهَادِهَا فِي فَهمِ شَرَعِ اللَّهِ وَمُرَادِهِ، وَتَأْمُلِ آيَاتِ اللَّهِ وَالْجَريِ عَلَى سُنَنِهِ (التَّوَاصِي بِالْحَقِّ). وَهِيَ مَسؤُولَةٌ عَنْ الْحِفَاظِ عَلَى الْهُوِيَّةِ الشَّرعِيَّةِ مِنْ التَّغْيِيرِ، أَوْ أَيَّةِ مُحَاوَلَاتٍ لِصَرْفِهَا عَنْ تَنْفِيذِ مُرَادِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ. وَالْأُنْثَى فَوْقَ كُلِّ ذَلِكَ لَصِيقَةٌ بِقِيمَتِي الذَّوْقِ وَالْجَمَالِ وَذُرْوَتِهِمَا الزَّوَاجِ وَصُنْعِ الْأُسرَةِ الْمُسْلِمَةِ – الْأُمَّةِ الْمُصَغَّرَةِ – أَهَمِّ مُقَوِّمَاتِ الْعُمرَانِ الْإِنسَانِيِّ، كَمَا فَصَّلَ فِي ذَلِكَ الْفَيْلَسُوفُ أَبُو يَعْرُب الْمَرزُوقِيُّ.

– أَهَمِّيَّةُ الْقِيمَةِ الْوُسْطَى: الْعِلمُ

من ثَمَّ فإِنَّ قِيمَةَ الْعلمِ هِيَ الْقِيمَةُ الْوُسطَى بَينَ التَّرَاتُبِيَّةِ الْقِيَمِيَّةِ لِكُلِّ حَضَارَةٍ، وَمِنْ مَشْهَدِ الِاسْتِخْلَافِ نَفهَمُ أَنَّ أَصلَ الصِّرَاعِ بَينَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ يَكمُنُ فِي حَربِ الْمُصطَلَحَاتِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يُهَيْمِنُ عَلَى الْخِطَابِ أَوْ الْعِلمِ يَمتَلِكُ الْقُوَّةَ وَالسُّلْطَانَ، وَيُعِيدُ تَرْتِيبَ الْعَالَمِ وَمَنظُومَةَ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

– ثُمَّ فِي قَلْبِ قِيمَةِ الْعلمِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالتَّقْوِيمِ نَجِدُ الْقُرآنَ الْكَرِيمَ يَحُثُّنَا عَلَى النَّظَرِ فِي النَّماذِجِ الْقَصَصِيَّةِ بِرُمُوزِهَا فِي قِصَصِ النِّسَاءِ فِي الْحَضَارَاتِ السَّابِقَةِ. هَذِهِ الرُمُوز تُشَكِّلُ نَمَاذَجَاً مِعْيَارِيَّةً حَضَارِيَّةً يَسْتَرشِدُ بِهَا سَاكِنُ هَذِهِ الْمَعمُورَةِ فِي تَدبِيرِ سُنَنِهِ الِاجتِمَاعِيَّةِ.

وَلَوْ تَأَمَّلْنَا فِي اَلْقِصَصِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ المُحَدِدَاتِ الَّتِي دَارَتْ مَعَهَا الْإِنَاثُ، لَوَجَدْنَاهَا إِمَّا أَنَّهَا مِنْ الْخَاسِرَاتِ الْمُخَالِفاتِ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَالرُّسُلِ، أَوْ مِنْ الْمُجَاهِدَاتِ الْمُجتَهِدَاتِ الْآخِذَاتِ بِالتَّكلِيفِ كَامِلاً عَلَى سُنَةِ التَّدَافُعِ الْحَضَارِيِّ، لَا تَخْرُجُ كَيْنُونَة الأنثى عَنْ أَجْوَاءِ النُّبُوَّةِ فِي إِشَارَةٍ إِلَى نَفيِ الْأَدْوَارِ خَارِجَ إِقَامَةِ الدِّينِ وَخَارِجَ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ مِنْ الْأَفْكَارِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي تَلْحَقُ بِالْمُجْتَمَعَاتِ مَعَ عَدَمِ إِهمَالِ خَصَائِصَ الْأُنثَى الطَّبِيعِيَّةِ الْفِطرِيَّةِ، وَالَّتِي تَختَلِفُ فِيهَا عَنْ الرَّجُلِ بِهَدَفِ تَحْقِيقِ التَّكَامُلِيَّةِ الْإِنسَانِيَّةِ، وَالْمُهِمَّةِ الرِّسَالِيَّةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا.

عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، زَوْجُ مُوسَى، إِحْدَى اِبْنَتِي النَّبِي شُعَيْبٍ، الْحَيِيَّةُ الْمُقَدِّرَةُ لِحَيَاءِ وَشَهَامَةِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ، وَالْمُشَارِكَةُ فِي إِسدَاءِ النُّصحِ سَعيًا فِي خِدمَةِ الرِّسَالَةِ. وَفِي إِشَارَتِهَا إِلَى اِسْتِعْمَالِ مُوسَى (فَهُوَ اَلْقَوِيُّ اَلْأَمِينُ)، بَنَى اِبْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ نَظَرِيَّةَ أَهلِيَّةِ الْولَايَةِ.

3. الْمُحَدِدَاتُ الْعَامَّةُ الْمُلَائِمَةُ لِنَمُوذَجِ الْأُنْثَى الشَّاهِدَةِ وَالتَّدَافُعِ الْحَضَارِيِّ

اَلْمَجَالُ التَّدَافُعِيُّ لِلِاستِئْنَافِ الْحَضَارِيِّ لِنَمُوذَجِ الْأُنْثَى الشَّاهِدَةِ فِي اِجتِهَادِي يَجِبُ أَنْ يَدُورَ مَعَ ثُلَاثِيَّةِ الْأَخلَاقِ وَالْجَمَالِ وَالْحَقِّ، بِمَنْظُورِ الْأَخْلَاقِ الْقُرآنِيَّةِ، تَأسِيسًا عَلَى أَنَّ التَّدَافُعَ الْمَقْصُودَ هُنَا ذَلِكَ الَّذِي يَحْمِلُ مَعنَى التَّحْرِيكِ وَالْحَرَكَةِ وَإِحلَالِ الْبَدِيلِ، لَا مَعنَى التَّنَاحُرِ وَالصِّرَاعِ. وَأَحيَانًا يَحمِلُ دَلَالَةً مُؤَدَّاهَا: الرَّدُّ بِالْحُجَّةِ، “اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اَلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَصِفُونَ” [اَلْمُؤْمِنُونَ: 96].

وَهُوَ سُنةٌ تُسهِمُ فِي تَوجِيهِ التَّفَاعُلِ بَينَ الْقُوَى الْمُتَعَدِّدَةِ فَيُؤَثِّرُ كُلٌّ مِنهَا فِي الْآخَرِ إِيجَابًا نَحْوَ التَّكَامُلِ وَالتَّتْمِيمِ. وَذَلِكَ فِي تَحْوِيلِ الْإِسْلَامِ إِلَى قُوَّةٍ مُجتَمَعِيَّةٍ وَتَفْعِيلِ شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي جَميعِ عَلَاقَاتِنَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ.

          لَكِنْ لِكَيْ تَتَحَرَّكِيَ وَتَتَفَاعَلِي فِي أَيِّ مَجَالٍ مِنْ الْمَجَالَاتِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ؛ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ مُحَدِدَاتٌ قَبْلِيَّةٌ ثَابِتَةٌ مَعَ التَّطوِيرِ وَالتَّقوِيمِ الدَّائِمِينَ، تُشَكِّلُ مُحْتَوَى الْأَفْكَارِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّكَ مِنْ خِلَالِهِ عَقْلُ الْإِنَاثِ.

وَاقْتَرَحُ هُنَا فِي هَذَا السِّيَاقِ بَعضَ تِلكَ الْمُحَدَّدَاتِ، صَنَّفْتُهَا عَلَى شَكْلِ نِقَاطٍ كَمَا يَلِي:

 1. أَعِي أَنَّنِي كَيْنُونَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ حَضَارِيَّةٌ صَاحِبَةُ إِرَادَةٍ شَاهِدَةٌ تَكْلِيفِي إِقَامَةَ الدِّينِ وَتَقْوِيمَ الْأَخلَاقِ وَإِصلَاحَ الدُّنْيَا.

2. أَتَحَرَّى مَقَاصِدَ الْخِطَابِ الْقُرآنِيِّ الْكُلِّيِّ لِلْأُنثَى وَأَجرِي مَعَ سُنَنِهِ.

3. فِي أَيِّ مَجَالٍ أَنْتِ مُكَلَّفَةٌ بِحِفْظِ الْمَقَاصِدِ الشَّرعِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ.

4. الِالْتِفَاتُ إِلَى كُلِّ خِطَابٍ يُنَادِي بِالتَّكَامُلِ الْمَعرِفِيِّ بَينَ الْعُلُومِ الْإِنسَانِيَّةِ وَالْعلُومِ الشَّرعِيَّةِ أَمرٌ ضَرُورِيٌّ وَوَاجِبُ وَقتٍ.

5. أُعِيدُ قِرَاءَةَ قِصَّةِ الْعَقلِ وَتَارِيخِ الْأَفكَارِ، وَأَقِفُ مُطَوَّلاً عَلَى كُلِّ الْمَفَاهِيمِ الْمُتَدَاخِلَةِ فِي أَنسَاقِنَا الْمَعرِفِيَّةَ وَالْوُجُودِيَّةِ.

6. فَأُطرَحُ مَثَلاً الْأَسئِلَةَ الْإِبِستِمُولُوجِيَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِطَبِيعَةِ الْمَعرِفَةِ الَّتِي تَستَنِدُ إِلَيهَا مَنظُومَةُ الثَّقَافَةِ وَالْأَعرَافِ الَّتِي حَدَّدَتْ طَبِيعَةَ الْأُنثَى وَرِسَالَتَهَا وفْقَ قِيَمِ الْحَضَارَةِ.

7. أَنحَازُ إِلَى كُلِّ مَوقِفٍ حَضَارِيٍّ نَقدِيٍّ يَضَعُنِي عَلَى مَسَافَةٍ مِنْ الْأَخلَاقِ الْجَبْرِيَّةِ، أَوْ أَخلَاقِ الْحَدَاثَةِ وَمَا بَعدَهَا، الَّتِي أَدَّتْ إِلَى تَغرِيبِ النَّفْسِ وَتَخرِيبِ الْأَرضِ.

8. مَنْ تَجِدُ فِي نَفْسِهَا الْأَهْلِيَّةَ عَلَيهَا وَاجِبُ الْوُقُوفِ عَلَى نِتَاجِ وَإِرثِ الْعُلَمَاءِ الَّذِي تَنَاوَلَ مَوْضُوعَ الْمَرْأَةِ وَشُؤُونَهَا تَحْدِيدًا.

9. تَفكِيكُ السَّردِيَّاتِ النَّسْوِيَّةِ الَّتِي تَدَّعِي ذُكُورِيَّةَ التُّرَاثِ الْإِسلَامِيِّ بِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيهِ مِنْ خِطَابَاتٍ وَمُصطَلَحَاتٍ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرَسِّخَ مَظْلُومِيَّةً كَاذِبَةً.

10. أُدرِكُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنَالُ حُقُوقَهَا تِلقَائِيًّا إِنْ تَخَلَّصَتْ وَشَقِيقُهَا الْمُسْلِمُ مِنْ شَوَائِبِ الْفِكْرِ الِاسْتِشْرَاقِيِّ أَوْ الِارْتِهَانِ لِلْأَخلَاقِ الْجَبْرِيَّةِ.

11. أَعِي أَنَّ الْمَرأَةَ هِيَ النَّوَاةُ الْحَضَارِيَّةُ لِتَوَاصُلِ الْأَجيَالِ الرُّوحِيِّ بِتَعبِيرِ الْفَيْلَسُوفِ أَبُي يَعْرُبٍ الْمَرزُوقِي. فَالْمَرأَةُ مَعنِيَّةٌ بِشُرُوطِ الْحِمَايَةِ وَالرِّعَايَةِ لِلْأُمَّةِ؛ لِاستِئْنَافِ دَورِهَا الْحَضَارِيِّ فِي شِقِّهِ اَلرُّوحِيِّ.

12. وَفِي الْوَقتِ نَفسِهِ، الْأُمَّةُ مَعنِيَّةٌ بِحِفظِ مَكَانَةِ الْمَرأَةِ فِي كَافَّةِ أَدوَارِهَا وَإِعطَائِهَا حَقَّهَا وَقِيمَتَهَا دَاخِلَ نِظَامِهَا الِاجتِمَاعِيِّ.

أخيراً بعض التوصيات فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِآلِيَّاتِ الْمُدَافَعَةِ عَبرَ الْأَخذِ بِوَاجِبِ الْأَمرِ بِالْمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنْ الْمُنكَرِ، الَّتِي تَنقُلُ الْإِنسَانَ مِنْ الِاستِعدَادِ لِلْوُجُودِ الِاجتِمَاعِيِّ إِلَى الْوُجُودِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِالْفِعلِ. وَالَّذِي يَقتَضِي الْعِنَايَةَ بِسُؤَالِ السِّيَاسَةِ وَالْأَخلَاقِ، لِمَاذَا؟ لِأَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَعِيَ أَوَّلاً أَنَّ كُلَّ مُؤَسَّسَةٍ وَمُنَظَّمَةٍ وَجَمعِيَّةٍ.. بِبُنَاهَا التَّنْظِيمِيَّةِ، وَهَيَاكِلِهَا، وَثَقَافَاتِهَا، وَقِيَمِهَا، وَشَبَكَةِ عَلَاقَاتِهَا مُرْتَبِطَةٌ بِالسِّيَاسَةِ. كما علمنا د حسين القزاز في مركز إنسان للدراسات الحضارية، لِذَلِكَ أسْتَحْضِرُ هُنَا بَعضَ الْأَفكَارِ الْعَامَّةِ لِتِبيَانِ:

1. أَنَّ الوَاجِبَ الْيَوْمَ عَلَى كُلِّ مِنْ لَدَيْهَا الْعَلَمُ وَالْقُدْرَةُ تَبَيّينُ أَنَّ النَّمُوذَجَ السِّيَاسِيَّ الْمَنْشُودَ الَّذِي عَلَى مِنْوَالِهِ يَكُونُ اِستِعْمَارُ الْإِنسَانِ فِي الْأَرضِ هُوَ جَوْهَرُ الْخُلُقِيِّ فِي الدِّيَانَاتِ وَالْمُحَدِّدُ الْحَقِيقِيُّ لِلْخُلقِيِّ فِي الْحَضَارَةِ، (الْحَضَارَةُ هِيَ الْفِعلُ الْخُلُقِيُّ).

2. وَأَنَّ الْعَمَلَ السِّيَاسِيَّ الْيَومَ يَتَعَارَضُ مَعَ رِسَالَةِ الْأُمَّةِ الْمَوصُوفَةِ بِالشُّهُودِ عَلَى الْأُمَمِ.

3. فَفَلْسَفَةُ النُّظُمِ السِّيَاسِيَّةِ الْقَائِمَةِ الْيَوْمَ والتي تدور في فلكها سائر مؤسسات المجتمع مَبْنِيَّةٌ عَلَى فِكرَةِ التَّصَارُعِ الْمُتَوَحِّشِ وَعَلَى فَلْسَفَةِ الْإِذْلَالِ والفردانية. وَأُحِيلُ فِي هَذَا السِّيَاقِ إِلَى كِتَابٍ قِيِّمٍ (زَمَنُ الْمَذْلُولِينَ).

4. اِجْتِهَادِي أَنَا فِي هَذِهِ الْمِسَاحَةِ طَالَمَا أَنَّ الْمُحتَلَّ الْخَارِجِيَّ وَالدَّاخِلِيَّ لَمْ يُغَيِّرْ مِنْ دِينِ النَّاسِ بِزَعْمِهِ مُدَّعِيًا حُقُوقَ التَّدَيُّنِ، فَإِنَّهُ أَحدَثَ الْأَفظَعَ: فقد أَعَادَ هَندَسَةَ النِّظَامِ الِاجتِمَاعِيِّ كَكُلٍّ. وَلَمَّا كَانَ يَحْدُثُ تَعَارُضٌ بَينَ النُّظُمِ وَالْبُنَى الْمُؤَسَّسِيَّةِ وَبَينَ دِينِنَا، كُنَّا نَلْجَأُ إِلَى تَغيِيرِ قِيَمِ الْإِسلَامِ الْجَوْهَرِيَّةِ لِيَتَلَاءَمَ وَتِلْكَ الْبُنَى. عَلَينَا إِذَنْ اِستِئْنَافُ الْعَمَلِ بِالْمَعرُوفِ الْقُرآنِيِّ.

5. فَالْمَعرُوفُ مَفْهُومٌ مِحوَرِيٌّ فِيهِ يُحْمَلُ الْعَدِيدُ مِنْ الْوَشَائِجِ الْمَعرِفِيَّةِ وَالضَّمَائِمِ الْمَفْهُومِيَّةِ. وهُوَ اِسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيهِ وَالْإِحسَانِ إِلَى النَّاسِ، وَكُلِّ مَا نَدبَ إِلَيهِ الشَّرعُ، وَكُلِّ مَا عَرَفَتْهُ الْفِطرُ.

6. فَالْأَمرُ بِالْمَعرُوفِ يَتَحَرَّكُ اِجتِمَاعِيًّا فِي كُلِّ مَا يَحرُسُ كِيَانَ الْأُمَّةِ وَيُسهِمُ فِي رَفَعَتِهَا، وَالنُّصحِ وَالتَّنَاصُحِ وَقَولِ الْحَقِّ فِي وَجهِ كُلِّ مِنْ بَاعَ دِينَهُ، أَوْ مِنْ أَنْصَافِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. {اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا اَلصَّلَاةُ وَآتَوْا اَلزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ اَلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ اَلْأُمُورِ} [الْحَجّ: 41].

7. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنكُنَّ هِيَ “مِنْ أَهلِ الْعِيَالَةِ وَالْإِيَالَةِ”، الَّتِي تَقتَضِي سَوسَ النَّفْسِ، وَالْأَهلِ، وَالْأُسرَةِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَالْمُلْكِ اللَّصِيقِ بِهَا، وَكُلِّ مَا هُوَ مُختَصٌّ بِإِصلَاحِ الْخُلُقِ وَالْمَنْزِلِ وَالْمَدِينَةِ.

أَخِيرًا أُذكِّرُ بِأَنَّ الْأُسرَةَ مَجَالٌ مِنْ مَجَالَاتِ سُنَنِ التَّدَافُعِ الْحَضَارِيِّ، الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ إِعطَائِهَا الْأَولَوِيَّةَ الْقُصوَى، لِلْحِفَاظِ عَلَى الْهُوِيَّةِ وَتَعزِيزِ ثَقَافَةِ تَحصِينِ صَرَّحِ الْأُسرَةِ ضِدَّ الْأَخلَاقِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْغَربِيَّةِ الْهَدَّامَةِ، وَزَرْعِ أَخلَاقِيَّاتِ التَّكَافُلِ وَالتَّضَامُنِ وَالْمَسؤُولِيَّةِ الْجَادَّةِ وَالرِّعَايَةِ الشَّامِلَةِ الَّتِي تَتَعَدَّى الرَّوَابِطَ الْأُسَرِيَّةَ وَامتِدَادَاتِهَا إِلَى الْمُجتَمَعِ وَامتِدَادَاتِهِ، وَتَتَوَسَّعُ لِتَشمَلَ الْإِنسَانِيَّةَ جَمعَاءَ -شُعُوبًا وَقَبَائِلَ- وفْقَ قَصدِيَّةِ التَّعَارُفِ الْحَضَارِيِّ التَّدَافُعِي (لَتَعَارَفُوا) الْوَاصِلِ بِأَرْحَامِ سُكَّانِ الْأَرضِ إِلَى بَرِّ سَكَنِ الْأَمَانِ، وَالنَّاظِمِ لِلِاجتِمَاعِ الْإِنسَانِيِّ فِي الِامتِثَالِ لِمِيثَاقِ الْعَدلِ الْإِلَهِيِّ وَالْإِحسَانِ الْأُسَرِيِّ.

وَأَخْتِمُ بِقَوْلٍ لِلْأَدِيبِ الْحَكِيمِ مُصْطَفَى صَادِقُ الرَّافِعِي:

وَمَا الْمَرْءُ إِلَّا جَدُّهُ وَاجتِهَادُهُ وَلَيسَ    سِوى هَـــــذَيْنِ لِلْـــــــــــــــمَرءِ أَعْــــــــــــــوَانًا

والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

26 أيلول 2023 م/ 11 ربيع الأول 1445 ه

من تشكيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *