الصفحة الرئيسية
وانتهى عهد باطنية دمشق
ما تخيلتُ يوماً أننا سنشهد سقوطاً مدويّاً كسقوط الهارب وأهله ونظامه، في ليلة بألف وألف ليلة. في تلك الليلة مرّ بذاكرتي شريط كامل لكل ما مرّ من المرّ. حكاية تحكي قصة طاغية طغمة حكم بلاداً منسية من أصحاب المروءة والرجولة…
الإسلام السياسي وإشكال المصطلح
إن ثورتنا ليست ثورة شعبية ضد القهر والظلم والفقر والتهميش فحسب، بل إنها ثورة عامة شاملة متجددة لكل مكونات المجتمع وجوانبه، هي ثورة على المصطلحات والمفاهيم التي رسخت في معجمنا الثقافي في زمن الاستبداد، ولأن الثقافة عملية اجتماعية تراكمية فإننا دائماً بحاجة إلى الثورة على تلك المصطلحات لتستقيم شيئاً فشيئاً، فيسقط البالي والمزيف منها. ومن تلك المصطلحات التي لمع نجمها مع ثورتنا المباركة وثورات الشعوب العربية، مصطلح “الإسلام السياسي”. يعود مصطلح “الإسلام السياسي” إلى سلسلة من التسميات على إثر قيام الثورة الإيرانية، وخوف الولايات المتحدة من خطر امتدادها في تسعينيات القرن الماضي، فكان يُعرف أولاً بـ”الإسلام الأصولي” ومن ثم اُستخدم مصطلح “الإسلاميون المتطرفون”، إلى أن استقرت التسمية إلى وقتنا الحالي على”الإسلام السياسي” بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وكان المقصود من تلك العبارة الجماعات أو الحركات الإسلامية التي تطالب وتدعو إلى تحكيم شريعة الله في دولهم المختلفة. وما كان على العرب المستغربين أو المنافقين إلا استيراد، بل والتهليل لهذا المصطلح وغيره من المصطلحات دونما الوقوف عنده والرجوع إلى أصوله أو أبعاده. ومن بين العديد من المقالات والتحليلات والدراسات التي استوقفتني حول هذا المصطلح، كان حواراً مطولاً أجرته مجموعة “الجمهورية”، )ونُشر على موقعها على الإنترنت) مع الدكتور صادق جلال العظم بتاريخ 10 كانون الثاني 2013، خاصة جوابه عن سؤال المُحاور له من أن كيف لمؤلف “نقد الفكر الديني ” أن يقف “إلى جانب ثورة كانت الجوامع مراكز انطلاق مظاهراتها، ويعرض مكونها العسكري اليوم وجهاً إسلامياً ظاهراً؟ ألا يخشى من الإسلام السياسي بعد سقوط نظام الأسد؟”!. فبينما اعترف بوقوفه إلى جانب “الثورة الإيرانية الإسلامية” نجده يعزو خوفه من الإسلام السياسي إلى أن ثقافتنا ومجتمعاتنا تحوي الكثير من “العناصر السلطوية والتسلطية والسلبطجية والأبوية والأبوية المحدثة والثأرية”، حسب تعبيره، مما يجعل احتمالية إعادة إنتاج الطغاة والاستبداد العسكري بوجه ديني كبيرة! هنا كان الأولى به التركيز على سبل التخلص من تلك العناصر مثلاً بدلاً من تحميل الإسلام السياسي أمراضاً عرفتها تاريخ البشرية جمعاء وليست حكراً على مجتمعاتنا! ومن ثم يفصح عن نموذج الإسلام السياسي الذي يخاف منه كما عبر “والذي يمنع التعليم ويحرق المدارس ويغلق الجامعات ويعطّل المعاهد ويحرم المرأة من التعليم والعمل المنتج”!، ويضعه جنباً إلى جنب الإسلام السياسي الذي وصل إلى الانتخابات في حالتي مصر وتونس! لا بل يفصح عن أن الإسلام المقبول بالنسبة له (ولغيره) كمفكر علماني هو “إسلام البزنس، وإسلام رجال الأعمال وأصحاب المشاريع والشرائح التجارية”.. وأن التدين الشعبي السوري البسيط سيتغلب على أي إسلام سياسي. أردنا من مثالنا أعلاه تسليط الضوء على هذا التوجه الفكري السائد من مثقفينا- سواء ممن وقفوا مع الثورة أو ممن عاداها- والذي يرفض جملة وتفصيلاً استلام أي تيار إسلامي للحكم، ويرفع زيفاً لواء الانتصار للمرأة، وكأن المرأة في أرقى المجتمعات الإنسانية وأكثرها تحرراً وعلمانية حصلت على حقوقها (وهذا مجال يطول البحث فيه)! أضف إلى ذلك، الرفض القاطع لوصول أي تيار ديني في مجتمع ما إلى الانتخابات! بل وأن على التيارات الدينية في المجتمعات العربية تحييدها عن معترك الحياة السياسية! لأن السياسة أصلاً يجب أن تكون بعيدة عن الدين بمعنى آخر”علمانية”. وإذا رجعنا إلى أقوال بعض العلماء المسلمين في هذا الصدد ومن أبرزهم الشيخ ابن تيمية رحمه الله فيقول عن العلم بالسياسة بإنه: “علم بما يدفع المضرة عن الدنيا ويجلب منفعتها”. (مجموع الفتاوى، 4/493 )والسياسة عند ابن خلدون نوعان: “سياسة عقلية [وتُسمّى أيضاً سياسة مدنية]؛ وهي القوانين المفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصائرها يكون تدبير مصالح الرعية فيها موكولاً إلى العقل البشري. وسياسة دينية [شـــرعية] نافعة في الحياة الدنيا والآخرة وهي مفروضة من الله سبحانه وتعالى بشارع يقررها ويشرعها، يكون تدبير مصالح العباد…
على هامش الثورات، وللتصوف قيمه الأخلاقية
عُرف أن بداية طريق التصوف إيمان وتربية وتخلق بمكارم الأخلاق، وآخره تمكين وتحقيق بعلوم كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ذلك أن منهج التصوف منهج اجتهادي في طاعة الله، يُزكي النفوس ويرتقي بالسلوك الإنساني إلى مراتب…
حرية في قلب العبودية
جاء الإسلام بحرية الإنسان من خلال مفهوم العبودية، وهذه هي الحكمة بعينها التي يصحبها التوفيق الإلهي. ففي قلب عبودية الإنسان تخرج حريته، ومن الحرية يظهر الفعل الأخلاقي والالتزام به لتحتل المسؤولية الأخلاقية مكانها في حرية الاختيار. ولأن الله أوكل الخلافة…