درج مفكرونا العرب وهم في رحلتهم المعرفية على البدء في نقد الآخر، وهو هنا في غالبه الأعم المشروع المعرفي الغربي.

ونكاد لا نجد مشروعاً فكرياً أو حركياً رصيناً لا يبني منظومته الفكرية دون الوقوف على رصد وتفكيك المشاريع الفكرية السابقة أو القائمة وأحياناً هدمها – سواء المغايرة له من حيث الجذر الفلسفي أو تلك التي قد تتداخل معه في بعض المقاصد والرؤى الكلية وتتفارق في المنهجيات والمرتكزات. وهذا مفهوم وهو من أساسيات المنهجية العلمية لتأسيس المنظومات الفكرية المعتبرة.

إلا أن مسحاً شاملاً على أغلب المشاريع العاملة في الساحة الفكرية/ الحركية اليوم -حتى تلك التي تدّعي فرادتها وشموليتها وتبنيها منهجية دقيقة لقراءة الواقع- وقفت عند عتبة نقد المنقود، وما استطاعت أو تجرأت على الدخول إلى فناء البيت الفكري.

وكأني بهؤلاء غدوا من العامة -بتصنيف علماء المسلمين- مجرد مقلدين لكنهم قلدوا مفكري الغرب، على اعتبار أن العالِم/ المجتهد هو الذي يُعمل عقله فيما أتاه الله من ملكات ويوظفه في قراءة النصوص وتفسيرها وفي تسخير الكون وتدبير مدينته.

وللمفارقة المنطقية هي نفسها تعيب على الآخرين الانشغال بالرجوع إلى التراث والاقتباس من نظرياتهم ونتائجهم لتقوية استدلالتهم وحججهم!

وأسأل هنا، ما الذي يفيد أمتنا في إعادة اجترار ما نقده الغرب نفسه لنفسه؟ ألا يكفي أن نُحيل إلى هؤلاء النقاد؟ وهم كُثُر خاصة ما وصل إلينا من فلسفة المدرسة النقدية الفرانكفورتية والفلسفة الرومنسية أو الفلسفات اليسارية وبعض فلاسفة ما بعد الحداثة…

متى نتجاوز ونقفز قفزة معرفية مسؤولة نحو البناء وإنشاء النظريات وتصفية المناهج العلمية العقلية والبحثية؟ كيف لمفكر يدّعي إتيانه بمشروع معرفي رائد يخطو نحو استئناف حضاري للأمة وهو ما زال في عداد المقلدين؟

نحن بحاجة إلى علوم الاجتهاد والعمل والسعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *