تنقسم الأسباب الأساسية لقيام الثورة السورية إلى قسمين كبيرين، داخلي وخارجي، ويتفرع منهما أسباب كثيرة. الخارجي -في اعتقادي- حين تأثرت بالدول العربية التي طالتها الثورات من قبل.. فالشباب كان يشاهد التلفاز وتأتينا الأخبار عن نشوة المشاركين من إخواننا العرب في ثوراتهم. أما الداخلي فقد كانت هناك عوامل كثيرة تستدعي انتهاز أول فرصة تأتي للوقوف في وجه النظام، فالظلم والفقر والتهميش للأرياف والفساد المنتشر في كافة المجالات التعليمية والخدمية والوزارات.. كل ذلك كان تحت علم الشعب وكل ما يجري وراء الكواليس، ومع أنه كان يناقش هذه المسائل السياسية والاقتصادية وأحوال البلد مع أصدقائه وأقاربه إلا أنه لم يجرؤ من قبل على البوح والصراخ بصوت مرتفع. بالطبع حدث وأن حاول البعض التكلم والاعتراض والتشكي لكننا كنا نسمع فوراً أن فلان اُعتقل وهو في مسالخ الأسد البشرية بسبب مقالة تنتقد شخصية سياسية ما أو مؤسسة حكومية ومدى فسادها وتقصيرها في خدمة المواطنين.. ومع حدوث بعض الانفتاح الوهمي منذ استلام بشار حدث في مجال الصحافة والإعلام الخاص وبدا الجو العام وكأن الخوف من إبداء الرأي وحرية الكلمة قد زال، إلا أن الحقيقة ظلت تحت سقف المسموح به.. ولم تستطع تعدي الخطوط المسموح بها.
وما إن بدأت الثورة في مصر حتى بت أتابعها لحظة بلحظة وأترقب تطوراتها، كون الثورة التونسية لم تدم طويلاً وسرعان ما هرب بن علي، ولم نكن نعي وقتها أنها قد تكون بداية سلسلة ثورات ستشهدها الدول العربية.
وها قد بدأت في سوريا، وفرحتُ بها فرحة الغريق في محيط مليء بأسماك القرش بفريق الإنقاذ.. وأتى يوم 15 آذار المظاهرة الأولى في دمشق في سوق الحميدية، ومن ثم في 18 آذار الذي خط فيه أول شهيد بدمه ملحمة الثورة السورية، وتوقفت هنا حياتي كلها، ولم أعد معلقة إلا بالثورة ومجرياتها وانتقالها من مدينة إلى أخرى ومن حي إلى حي آخر، وردود الفعل العربية والدولية.. وغرقت بين حديّ الترقب والخوف ..
ولو لم يكن النظام فاجراً وطاغياً لكان رد فعله أكثر حكمة وعقلانية عما حدث في درعا عندما كتب بعض الأطفال جملة “الشعب يريد إسقاط النظام” على جدار المدرسة، ولما وصلنا إلى هذا الكم الكبير من الدم والدمار.. لكن هذا ليس غريباً على نظام طائفي مستبد يحسب أن سوريا مزرعة له، يستبيح فيها دماء من يريد ويعذب ويدمر من يقول كلمة حق!
لم يكن النظام بريئاً من الطائفية قبل الثورة، كلنا نعلم أنه مكّن لطائفته في مجالات مفصلية وحيوية في المجتمع السوري، التعليمي والعسكري والثقافي والمؤسساتي ..
ولأننا كبشر دائماً ما نحتاج إلى شيطان نعلق عليه عجزنا الواقعي، ونهرب من مواجهته والاعتراف به والبحث عن الخلاص من هذا العجز بجدية وعن الجذور التاريخية والاجتماعية والسياسية لهذه الطائفية، إلا أنها كانت واحدة من أهم الإشكالات التي عدها الكثير كغول مخيف يجب الابتعاد عنه أو إنكاره بشكل مطلق بدلاً من مواجهته ومقارعته حتى التخلص منه.
أما ما سيكون عليه الحكم في سوريا، فمن خلال استقراء لما حدث في الدول العربية، أعتقد أن ما سيأتي إلى الحكم من سيفوز بصناديق الاقتراع، وبما إن الإسلام السني يمثل حاضنة شعبية كبيرة فاحتمال فوز حزب إسلامي هو 80%. وعجلة التاريخ تثبت أن دورهم لاستلام القيادة قد حان. هذا من جهة الحكم أما من جهة المؤسسات الدينية (والتي تحالفت سنيناً طويلة مع النظام حيث كان غالبية علماء الدين وفتاويهم تابعين له ولسلطته) والوجوه الثقافية (المشوهة التي مثلت زمن العار والخضوع وقبول الذل والسكوت عن طمس الكرامة الإنسانية)، فباعتقادي أن كل الرموز الثقافية والأصنام الدينية ولّت وانطوت مع التاريخ لما قبل الثورة والصحوة الفكرية والدينية التي رافقت الثورة، فلم يعد للولاءات الشخصية والأصنام الفردية مكان في سوريا ما بعد الثورة، وأصبح المنهج الأساس للشعب هو النقد الذي يطال الجميع مهما كانت مرتبته ومكانته، وأن قول كلمة الحق والتصدي للظلم هو السلاح الأقوى في وجه أي معتدي على حقوقهم..
ومع كل الذي حدث، وما سيحدث، فأنا متفائلة وأرى النصر الذي وعدنا الله به، فشعاري في هذه المرحلة قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر “لا تحزن إن الله معنا”.