علاقة الوطن بالمواطن علاقة تفاعلية تبادلية، بقدر ما نقدم له نأخذ منه، وبقدر معاملته لنا كإنس يغدو لنا وطناً وسكناً.
المسألة ليس كما يتوهم البعض أن الوطن يصل إلى رتبة القداسة، بحيث نتعامل معه ككائن مقدس له علينا واجبات نقوم بها طواعية، لأنه أصل وجودنا، منه صدرنا، -ولدنا ونشأنا وترعرعنا وشربنا من ماءه وأكلنا من ثماره إلى ما هناك من مفاهيم أقحموها في فكرنا-، وإليه نعود، -نظل في هاجس الموت خارج حدود تراب الوطن-! وخلالهما (الولادة والموت) يتم حشو دماغنا بعبارات: “أرواحنا فدى الوطن، كرمالك يا وطن كل شي بيهون..” إلى أن ننسى ويغيب عنا حقنا الذي وهبنا الله تعالى إياه يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)، فكيف يأتي الوطن ليسلبني هذا الحق الإلهي؟!
في وطني -الذي ليس وطني- أنا مسلوبة الحقوق، مقموعة عن حرية التعبير في التباهي بلباسي الإسلامي، وبالجهر بصلاتي وصيامي، محرومة من فرص عمل ملائمة وكريمة بعد معارك مع سنوات الدراسة المملة والمرهقة والمخدرة للعقول مروراً بذل اللحاق بالمواصلات وتلوث البيئة والمرافق العامة وغياب الكهرباء… وكل الخدمات العامة والحاجات الضرورية لعيش إنسان وحتى حيوان! إلى أن نصل إلى أرذل العمر، وما أدراك ماذا يكون عليه أرذل العمر في بلادي!
ولأن الإسلام صان كرامتي وحفظ حقوقي وواجباتي في مقابل الرجل، شاركت بالثورة منذ بداياتها لأنها ثورة الكرامة التي غابت عن وطني عقوداً، ثورة العدالة الاجتماعية التي غُيبت في مجتمعنا، ثورة الانتصار للمرأة المسلمة وحقوقها التي وقعت تحت حكم طويل من التدين المشوّه بعادات وتقاليد غريبة عن إسلامنا الحنيف.
وقد قرر سبحانه وتعالى مشاركتي في الهجرة والجهاد والقتال {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}. (آل عمران: 195)
ولأن الإسلام خاطب المرأة/الإنسان خطاب عقل وأنوثة، وتعامل معها على أنها صنو وجودي للرجل، مسؤولة أمام الله ومن ثم أمام إنسانيتها فقد شاركتُ بالثورة منذ اليوم الأول، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة/71]، فالله سبحانه وتعالى خاطبني الله وكلفني بأن أكون معنية بتفعيل عناصر مختلفة من إنسانيتي، في مشاركتي بالحياة السياسية والاجتماعية، وفي والولاية أي بالنصرة والتعاضد بين المسلمين والمسلمات، وبدفع بمسيرة الإنتاج والإبداع الفكري، دون أن أنسى العنصر الأنثوي لأملأ من حولي رقّة وحناناً. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97).
سأظل ثائرة رافعة لواء الحق والعدل إلى انتصار الثورة وما بعد بعد الثورة، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الإنعام: 162].