لتهيئة المجتمع السوري للقبول بعملية سلام مع إسرائيل عملت السياسة الداخلية على طبخه على نار هادئة، وذلك من خلال عقد الندوات وورشات دعت إلى حوار الديانات والعيش المشترك ونبذ العنف (والتي لمع نجمها ابتداءً من سماء الفاتيكان واُريد فرضها على مجتمعاتنا وفق شروط الغرب ومصالحه) متساوقة في ذلك مع السياسة الخارجية للدولة، وبغطاء من المؤسسات الدينية الرسمية وتحت رعايتها، مثل الورشة التي نادت بدور الديانات الثلاث في نشر السلام والتسامح وتبني اللاعنف كمذهب إنساني عالمي.
وبالطبع، لأن المرأة وحقوقها تضفي الزينة في أبهى حلتها وتحليّها على صورة تلك الفعاليات، كانت ورشة العمل تلك نسوية بحتة؛ حيث تم استضافة نساء مسيحيات (كاثوليك وبروتستانت) ويهوديات (واللاتي تلقين دعوة رسمية لزيارة المعبد اليهودي في جوبر بريف دمشق) أمريكيات وكنديات لتسيير هذه المحاضرات وورشات العمل والإشراف على ثلة من المدعوات من مختلف المرجعيات الدينية والإثنية والعقدية، وبتمويل من السفارة الكندية (وكان معلوماً أن سياسة النظام المعلنة آنذاك تمنع أي دعم أو مساهمة مادية من جهة خارجية لأي نشاط في سورية) في دمشق 12-23 يناير/كانون الثاني 2009 وكان ذلك مباشرة بعد الهجوم على غزة (17 ديسمبر 2008- 18 يناير 2009). مثل هذه اللقاءات ظاهرها اجترار خطاب تعزيز دور المرأة وتمكينها في المجتمع، ومن ثم حشو الأدمغة بفكرة أن المرأة هي المكلفة بنشر التسامح والتعايش والسلام والرحمة ونبذ العنف، كون الرجل أثبت عبر التاريخ أنه المسؤول الأول والوحيد عما وصلت إليه البشرية من دمار وفساد وحروب وويلات. فالكرة الأرضية خاضعة للقطب الذكوري الفحولي (الأنيموس اليونغي) والذي اُغتيل على يديه القطب الآخر الأنثوي (الأنيما اليونغية) حسب الرؤية الوجودية النسوية. أما باطنها فقد كان يصب بمجرى ما تمليه عليها السياسة الخارجية من مصالح وتوازنات للقوى الإقليمية والدولية، علاوة على أن مسألة المرأة وحقوقها (كمسودة قانون مكافحة الاتجار بها ونبذ العنف الأسري) كانت مرتهنة بحسابات الدولة فقط، أي أن السماح بإنشاء أية مؤسسة لحماية المرأة والدفاع عن حقوقها في سورية إنما هو للزهو الطاووسي بأنها متماشية مع الحداثة الغربية وقوانينها. وفي بعض الحالات فإن تلك المؤسسات التي دُعمت من قبل الدولة بسبب رعاية أسماء الأسد ووساطتها، كانت تهدف لتلميع صورتها كراعية أولى لحقوق المرأة وكزوجة رئيس دولة عربية علمانية تتبنى مبادئ الغرب وقيمه.