بما أن العديد من المقالات والتحليلات النقدية والتقييمات الموضوعية وغير الموضوعية عن وضع المرأة السورية وقضيتها كانت قد نُشرت وامتلأت بها المدونات والصحف والمجلات، فإنني سأكتب بطريقتي الخاصة التي تكون مختلفة إلا أنها تظل فكرة تحمل مشروعيتها ضمن إمكانية انتقالها من حيز الكمون إلى التحقق الفعلي، كحال انتقال سوريا من عصر قبل الثورة إلى ما بعدها في عامنا هذا.
فما يتراءى لي أن الرجل السوري في مجتمعنا في طور ما بعد الثورة سيتخلص من الازدواجية والتناقض في آرائه وخطاباته المختلفة عن سلوكه، وأن الدرجة العالية من الثقافة والتحرر البادية عليه ستجعله حقاً بعيداً عن الصور البالية التقليدية التي لطالما رأى المرأة من خلالها، والتي تعود إلى عصور الأساطير والخرافات. كتلك التي نقرأها في الأسطورة الهندية عن قصة خلق المرأة والرجل التي تختصر فكرة الرجل عن المرأة. فالله عندما خلق مخلوقاً قوياً سماه الرجل، وسأله: هل أنت راض؟ فأجاب الرجل: كلا. فسأله: ماذا تريد؟ فأجابه: أريد مرآة أنظر فيها مجدي، وعلبة أضع فيها حلاي، ووسادة أتكئ عليها، وقناعاً أختبئ وراءه وأنا تعس، وألعوبة أفرح بها، وتمثالاً أملأ عيني بجماله، وفكرة تستفزني، ومنارة أهتدي بها، فخلق الله المرأة!
وأنه في ما بعد الثورة سيتجاوز مرحلة الطفولة في تعامله مع المرأة، وسيعرف تماماً الطريقة الملائمة لتعامله معها، سيحترمها وسيقدرها، لن يعاملها أولاً كأمه التي تقدم له الحنان والرعاية والتضحيات دون أن يقدم لها المثيل، سيُمحى من قاموسه أنها هي التي يجب أن تقدم الطاعة والرضوخ لما يتمناه. ولن يريدها ثانياً جسداً فقط متدفق الأنوثة متجدد الغواية لإشباع رغباته، سيرى فيها ما هو أبعد وأعمق من الجسد.
لن يخاف إذا ما استقلت اقتصادياً وعاطفياً واجتماعياً، ولن يقلقه تفوقها عليه في مناحي الحياة.
أما المرأة السورية في ما بعد الثورة ستخلع عنها شيئاً فشيئاً تخلفها وتبعيتها عندما حملت طويلاً الأفكار والمفاهيم التسلطية، التبعية التي منحتها شعوراً زائفاً بالأمن والحماية في مواجهة الواقع وتحديات الحياة. وستكون من دعاة الإسلام قلباً وقالباً لأنها ستكون قد خرجت من دائرة تكريس ذكورية الثقافة والمجتمع، فزمن المطالبة بالمساواة ضمن النموذج الذكوري في طور ما قبل الثورة قد ولى وانقضى، وفي ما بعد الثورة ستقترب المرأة أكثر من كل ما يتعلق بالأنوثة. هذه الأنوثة لن تحرمها من الشعور بالغضب والقوة والانتصار لكرامتها وإنسانيتها، ولن تحصر أنوثتها في كل ما يستخدمها سلعة مُستَهلَكة/ مُستهلِكة.
ستعيد المرأة السورية إنتاج القيم وتجاوز البالي منها من أفكار وسلوكيات وأفعال وردود أفعال، وستمتاز بالقدرة على التغيير والخروج عن تنميط أدوارها وإحداث القرارات الحاسمة التي تخدم مجتمعها بنسائه ورجاله. ولن تختزل أنوثتها في حبيب أو زوج إن فقدته فقدت حياتها! لأنها ستدرك مفاتيح كلية الوجود وأجزائه، وتمد جسور التقوى مع خالق البشر.
ستكون حاضرة دائماً حتى في الغياب، ستترك أثرها حتى لو غُيب واُستلب وجودها.
فهنيئاً سوريا بنسائك ورجالك في ما بعد الثورة!