قلبت المرأة السورية الثائرة على ظلم الأسد ونظامه جميع المفاهيم والأفكار التي استكانت لها عقول ادّعت الحكمة وقيادة العالم وركدت طويلاً في مستنقعات المحافل الدولية من منظمات حقوق المرأة ومساواتها بالرجل إلى منظمات حقوق الإنسان ككل مروراً بحاملي شعارات تلك المنظمات من أبناء الوطن المقلدين لها تقليداً أعمى.

 على مرّ السنين، كنا نقرأ مئات المقالات والأخبار والتقارير على مواقع الإنترنت المخصصة للتركيز على مستقبل المرأة العربية وحقها في ممارسة حريتها والخروج عن التقاليد والصور النمطية بل وتعدتها إلى التخلص من الأديان، وحق الشاذات جنسياً بالاعتراف بزواجهن، وصيحات حركات النسوية العالمية بالدفاع عن المرأة وحريتها ! وفوق ذلك نشهد بين الفينة والأخرى أصواتاً غربية وعربية – منظمات وحركات نسائية وأفراد – تتعالى للدفاع عن حق المرأة بقيادة السيارة!

 إن الثورة السورية فضحت تلك المنظمات وعرّت ماهية وجودها، ذلك أنها ظهرت بمظهر المشلول العاجز عن التأثير بالمجتمع الدولي أو الإتيان بحركات ملموسة لإيقاف معاناة المرأة السورية حين انكشف الوجه الحقيقي لتلك المنظمات الدولية، وتبين أن أقصى صلاحياتها لن تتعدى التوثيق وجمع الإحصاءات عن المعتقلات (في سجون الأسد) والشهيدات وضحايا العنف في أتون حرب الأسد الوحشية على شعبه. 

ومع الثورة السورية ومعاناة المرأة السورية نتساءل ما قيمة بنود تلك المنظمات من تمكين وتعزيز لقدرات المرأة في كافة الميادين من أجل إشراكها في عملية التنمية مع شريكها الرجل، وهي مع فجر كل يوم جديد تُمارس عليها أبشع أنواع العنف معنوياً وجسدياً وروحياً! لم يسجل في التاريخ الإنساني من سلب حقوقها وحريتها وكرامتها كما فعل النظام السوري وحلفائه الدوليين والإقليميين. 

إن ثورة المرأة السورية ثورة على المفهوم النمطي للمساواة بين المرأة والرجل التي أورثنا إياها النظام، والتي كانت أبرز تجليات هذا المفهوم أن حازت المرأة مناصباً في الجامعات وبعثات علمية واستعلت في كبرى مؤسسات الدولة على أساس إما: انتماءها الأيديولوجي، أو مدى فسادها الأخلاقي، (إلا من رحم ربي).

ليست أية امرأة تمثل انموذجاً يُحتذى به فيما يسمى بالـ”يوم المرأة العالمي”، ولا أية واحدة تستحق التكريم والاحتفاء والاحترام في ذكرى السنة الخامسة للثورة السورية، ولا أولئك اللواتي امتلأت بهن صفحات الإنترنت وضجت وسائل الإعلام بأخبارهن وتنقلاتهن يُحتسبنّ منتفضات أو ثائرات حقاً، المرأة الوحيدة التي تُحترم في الثورات، هي تلك المرأة الأسطورة التي فقدت ولداً أو زوجاً أو أباً أو أخاً.. والتي هُجّرت من بيتها ووطنها إلى شتات الأرض كافة، ذاقت أهوال الحصار والتجويع والقصف والتهديد بالنفس والعرض، وهي ممرضة الجبهة التي رابطت مع الثوار تداوي جراحهم، والفتاة التي وضعت روحها على كفها ونقلت الأدوية والأغذية إلى الثوار.. وهي، وليس آخر الكلام، العاملة المجاهدة بصمت وصدق محتسبة أجرها على الله.

ومع هذه الآلام والمحن التي شهدتها المرأة السورية فإنها لم تستسلم للحزن أو اليأس أو الخنوع، قلبها مدمى، وجرحها عميق.. لكن لا وقت لديها للملمة دموعها! أمامها رسالة كرامة وقصة ملحمية لثورة على استبداد وظلم تخطها بدمها لتقلب صفحة جديدة في كتاب الوجود الإنساني عن المفهوم الحق لحرية المرأة والمعنى الجليّ للثبات والشموخ حتى استعادة جميع حقوقها ودفن آخر جسد للهوان والذل.   

من تشكيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *